23- مراعاة النفسيات ..
تتقلب أمزجة الناس في حياتهم بين حزن وفرح .. وصحة ومرض .. وغنى وفقر .. واستقرار واضطراب ..
وبالتالي يتنوع تقبلهم لبعض الأنواع من التعاملات .. أو ردهم لها بحسب حالتهم الشعورية وقت التعامل ..
فقد يقبل منك النكتة والطرفة ويتقبل المزاح في وقت استقراره وراحة باله .. لكنه لا يتقبل ذلك في وقت حزنه ..
فمن غير المناسب أن تطلق ضحكة مدوية في عزاء ..!! لكنها تحتمل منك في نزهة برية ..
وهذا أمر مقرر عند جميع العقلاء وليس هو المقصود بحديثي هنا ..
إنما المقصود هو مراعاة النفسيات والمشاعر الشخصية عند الحديث مع الناس أو التصرف معهم ..
افرض أن امرأة طلقها زوجها وليس لها أب ولا أم .. قد ماتا .. وجعلت تجمع أغراضها لتعيش مع أخيها وزوجته ..
فبينما هي كذلك إذ دخلت عليها جارتها في الضحى زائرة .. فرحبت المطلقة بها .. ووضعت لها القهوة والشاي .. فجعلت الزائرة تبحث عن أحاديث لتؤانسها .. فسألتها المطلقة :
بالأمس رأيتكم خارجين من المنزل ..
فقالت الجارة : إي والله .. أبو فلان أصر علي أن نتعشى خارج البيت فذهبت معه .. ثم مر السوق واشترى لي فستاناً لعرس أختي .. ثم وقف عند محل ذهب ونزل واشترى لي سواراً ألبسه في العرس ..
ولما رجعنا إلى البيت رأى الأولاد في ملل فوعدهم آخر الأسبوع أن يسافر بهم ..
والمطلقة المسكينة تستمع إلى ذلك وتتخيل حالها بعد قليل في بيت زوجة أخيها !!
السؤال : هل يناسب إثارة هذا النوع من الأحاديث مع امرأة فشلت في مشروع الزواج ؟!!
هل تظن أن هذا المطلقة ستزداد محبة لهذه الجارة ؟.. ورغبة في مجالستها دائماً ؟.. وفرحاً بزيارتها لها ؟..
نتفق جميعاً على جواب واحد نصرخ به قائلين : لاااااا ..
بل سيمتلئ قلبها حقداً وقهراً ..
إذن ما الحل ؟ هل تكذب عليها ؟
لا .. ولكن تتكلم باختصار .. كأن تقول : والله كان عندنا بعض الأشغال قضيناها .. ثم تصرف الكلام إلى موضوع آخر تصبرها به على كربتها ..
أو افرض .. أن صديقين اختبرا نهاية المرحلة الثانوية .. فنجح أحدهما وتخرج بتفوق ..
والثاني رسب في عدد من المواد .. أو تخرج بنسبة ضعيفة لا تؤهله للقبول في شيء من الجامعات ..
فهل تَرَى من المناسب عندما يزور المتفوقُ صاحبه أن يسهب في الحديث حول الجامعات التي تم قبوله فيها .. والميزات التي ستمنح له ..؟
قطعاً جوابنا جميعاً : لا ..
إذن ما الحل ؟
الحل أن يذكر له عموميات يخفف بها عنه .. كأن يشتكي من كثرة الزحام في الجامعات .. وقلة القبول .. وخوف كثير من المتقدمين إليها من عدم القبول .. حتى يخفف عن صاحبه مصابه .. فيرغب عند ذلك في مجالسته أكثر .. ويحبه ويأنس بقربه .. ويشعر أنه قريب من قلبه ..
وقل مثل ذلك لو التقى شابان أحدهما أبوه كريم يغدق عليه الأموال ..
والآخر أبوه بخيل لا يكاد يعطيه ما يكفيه ..
فمن غير المناسب أن يتحدث ابن الكريم بإغداق أبيه عليه .. وكثرة المال لديه .. و ..
لأن هذا النوع من الكلام يضيق به صدر صديقه .. ويذكره بمأساته مع أبيه .. ويستثقل الجلوس مع هذا الصديق ويشعر ببعده عنه في همه ..
لذلك نبه النبي صلى الله عليه وسلم إلى مراعاة مشاعر الآخرين ونفسياتهم .. فقال : لا تطيلوا النظر إلى المجذوم () .. والمجذوم هو المصاب بمرض ظاهر في جلده قد جعله مشوهاً في منظره .. فمن غير المناسب أنه إذا مر بقوم أن يطيلوا النظر إلى جلده .. لأن هذا يذكره بمصيبته فيحزن ..
وفي موقف غاية في المراعاة واللطف يتعامل صلى الله عليه وسلم مع والد أبي بكر رضي الله عنهم ..
فإنه صلى الله عليه وسلم لما أقبل بجيوش المسلمين إلى مكة لفتحها ..
قال أبو قحافة أبو أبي بكر رضي الله عنهم .. وكان شيخاً كبيراً .. أعمى .. قال لابنة له من أصغر ولده :
أي بنية .. اظهري بي على جبل أبي قبيس لأنظر صدق ما يقولون .. هل جاء محمد ؟..
فأشرفت به ابنته فوق الجبل .. فقال : أي بنية ماذا ترين ؟
قالت : أرى سواداً مجتمعاً مقبلاً ..
قال : تلك الخيل ..
قالت : وأرى رجلاً يسعى بين يدي ذلك السواد مقبلاً ومدبراً ..
قال : أي بنية ذلك الوازع الذي يأمر الخيل ويتقدم إليها ..
ثم قالت : قد والله يا أبتِ انتشر السواد ..
فقال : قد والله إذاً دفعت الخيل ووصلت مكة .. فأسرعي بي إلى بيتي .. فإنهم يقولون من دخل داره فهو آمن ..
فانحطت الفتاة به مسرعة من الجبل ..
فتلقته خيل المسلمين .. قبل أن يصل إلى بيته ..
فأقبل أبو بكر إليه ..
فاحتفى به مرحباً ..
ثم أخذ بيده يقوده .. حتى أتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد ..
فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم .. فإذا شيخ كبير .. قد ضعف جسمه .. ورق عظمه .. واقتربت منيته ..
وإذا أبو بكر رضي الله عنه .. ينظر إلى أبيه .. وقد فارقه منذ سنين .. وانشغل عنه بخدمة هذا الدين ..
التفت إلى أبي بكر رضي الله عنه فقال مطيباً لنفسه .. ومبيناً قدره الرفيع عنده :
هلا تركت الشيخ في بيته حتى أكون أنا آتيه فيه ؟!
كان أبو بكر يعلم أنهم في حرب .. قائدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم .. وأن وقته أضيق .. وأشعاله أكثر من أن يتفرغ للذهاب لبيت شيخ يدعوه للإسلام ..
فقال أبو بكر شاكراً: يا رسول الله .. هو أحق أن يمشي إليك .. من أن تمشي أنت إليه ..
فأجلس النبي عليه الصلاة والسلام .. أبا قحافة بين يديه .. بكل لطف وحنان ..
ثم مسح على صدره ..
ثم قال : أسلم ..
فأشرق وجه أبي قحافة .. وقال : أشهد أن لا إله إلا الله .. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ..
انتفض أبو بكر منتشياً مسروراً .. لم تسعه الدنيا فرحاً ..
تأمل النبي صلى الله عليه وسلم في وجه الشيخ .. فإذا الشيب يكسوه بياضاً .. فقال صلى الله عليه وسلم : غيروا هذا من شعره .. ولا تقربوه سواداً ..
نعم كان يراعي النفسيات في تعامله ..
بل إنه صلى الله عليه وسلم لما دخل مكة قسم جيشه إلى كتائب .. وأعطى راية إحدى الكتائب .. إلى الصحابي البطل سعد بن عبادة رضي الله عنه ..
كانت الراية مفخرة لمن يحملها .. ليس له فقط بل له ولقومه ..
جعل سعد ينظر إلى مكة وسكانها .. فإذا هم الذين حاربوا رسول الله صلى الله عليه وسلم .. وضيقوا عليه .. وصدوا عنه الناس ..
وإذا هم الذين قتلوا سمية وياسر .. وعذبوا بلالاًُ وخباباً ..
كانوا يستحقون التأديب فعلاً ..
هز سعد الرايية .. وهو يقول : اليوم يوم الملحمة ** اليوم تستحل الحرمة ..
سمعته قريش فشق ذلك عليهم .. وكبر في أنفسهم .. وخافوا أن يفنيهم بقتالهم ..
فعارضت امرأة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يسير .. فشكت إليه خوفهم من سعد .. وقالت :
يا نبي الهدى إليك لجائيُّ قريش ولات حين لجاء
حين ضاقت عليهم سعة الأرض وعاداهم إله السماء
إن سعداً يريد قاسمة الظهـر بأهل الحجون و البطحاء
خزرجي لو يستطيع من الغيـظ رمانا بالنسر والعواء
فانهينه إنه الأسد الأسـود والليث والغٌ في الدماء
فلئن أقحم اللواء ونادى يا حماة اللواء أهل اللواء
لتكونن بالبطاح قريش بقعةَ القاع في أكف الإماء
إنه مصلت يريد لها القتل صموت كالحية الصماء
فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم .. هذا الشعر .. دخله رحمة ورأفة بهم ..
وأحب ألا يخيبها إذ رغبت إليه ..
وأحب ألا يغضب سعداً بأخذ الراية منه بعد أن شرفه بها ..
فأمر سعداً فناول الراية لابنه قيس بن سعد .. فدخل بها مكة.. وأبوه سعد يمشي بجانبه ..
فرضيت المرأة وقريش لما رأت يد سعد خالية من الراية ..
ولم يغضب سعد لأنه بقي قائداً لكنه أريح من عناء حمل الراية وحملها عنه ابنه ..
فما أجمل أن نصيد عدة عصافير بحجر واحد ..
حاول أن لا تفقد أحداً .. كن ناجحاً واكسب الجميع .. وإن تعارضت مطالبهم ..
اتفاق ..
نحن نتعامل مع القلوب .. لا مع الأبدان ..
تتقلب أمزجة الناس في حياتهم بين حزن وفرح .. وصحة ومرض .. وغنى وفقر .. واستقرار واضطراب ..
وبالتالي يتنوع تقبلهم لبعض الأنواع من التعاملات .. أو ردهم لها بحسب حالتهم الشعورية وقت التعامل ..
فقد يقبل منك النكتة والطرفة ويتقبل المزاح في وقت استقراره وراحة باله .. لكنه لا يتقبل ذلك في وقت حزنه ..
فمن غير المناسب أن تطلق ضحكة مدوية في عزاء ..!! لكنها تحتمل منك في نزهة برية ..
وهذا أمر مقرر عند جميع العقلاء وليس هو المقصود بحديثي هنا ..
إنما المقصود هو مراعاة النفسيات والمشاعر الشخصية عند الحديث مع الناس أو التصرف معهم ..
افرض أن امرأة طلقها زوجها وليس لها أب ولا أم .. قد ماتا .. وجعلت تجمع أغراضها لتعيش مع أخيها وزوجته ..
فبينما هي كذلك إذ دخلت عليها جارتها في الضحى زائرة .. فرحبت المطلقة بها .. ووضعت لها القهوة والشاي .. فجعلت الزائرة تبحث عن أحاديث لتؤانسها .. فسألتها المطلقة :
بالأمس رأيتكم خارجين من المنزل ..
فقالت الجارة : إي والله .. أبو فلان أصر علي أن نتعشى خارج البيت فذهبت معه .. ثم مر السوق واشترى لي فستاناً لعرس أختي .. ثم وقف عند محل ذهب ونزل واشترى لي سواراً ألبسه في العرس ..
ولما رجعنا إلى البيت رأى الأولاد في ملل فوعدهم آخر الأسبوع أن يسافر بهم ..
والمطلقة المسكينة تستمع إلى ذلك وتتخيل حالها بعد قليل في بيت زوجة أخيها !!
السؤال : هل يناسب إثارة هذا النوع من الأحاديث مع امرأة فشلت في مشروع الزواج ؟!!
هل تظن أن هذا المطلقة ستزداد محبة لهذه الجارة ؟.. ورغبة في مجالستها دائماً ؟.. وفرحاً بزيارتها لها ؟..
نتفق جميعاً على جواب واحد نصرخ به قائلين : لاااااا ..
بل سيمتلئ قلبها حقداً وقهراً ..
إذن ما الحل ؟ هل تكذب عليها ؟
لا .. ولكن تتكلم باختصار .. كأن تقول : والله كان عندنا بعض الأشغال قضيناها .. ثم تصرف الكلام إلى موضوع آخر تصبرها به على كربتها ..
أو افرض .. أن صديقين اختبرا نهاية المرحلة الثانوية .. فنجح أحدهما وتخرج بتفوق ..
والثاني رسب في عدد من المواد .. أو تخرج بنسبة ضعيفة لا تؤهله للقبول في شيء من الجامعات ..
فهل تَرَى من المناسب عندما يزور المتفوقُ صاحبه أن يسهب في الحديث حول الجامعات التي تم قبوله فيها .. والميزات التي ستمنح له ..؟
قطعاً جوابنا جميعاً : لا ..
إذن ما الحل ؟
الحل أن يذكر له عموميات يخفف بها عنه .. كأن يشتكي من كثرة الزحام في الجامعات .. وقلة القبول .. وخوف كثير من المتقدمين إليها من عدم القبول .. حتى يخفف عن صاحبه مصابه .. فيرغب عند ذلك في مجالسته أكثر .. ويحبه ويأنس بقربه .. ويشعر أنه قريب من قلبه ..
وقل مثل ذلك لو التقى شابان أحدهما أبوه كريم يغدق عليه الأموال ..
والآخر أبوه بخيل لا يكاد يعطيه ما يكفيه ..
فمن غير المناسب أن يتحدث ابن الكريم بإغداق أبيه عليه .. وكثرة المال لديه .. و ..
لأن هذا النوع من الكلام يضيق به صدر صديقه .. ويذكره بمأساته مع أبيه .. ويستثقل الجلوس مع هذا الصديق ويشعر ببعده عنه في همه ..
لذلك نبه النبي صلى الله عليه وسلم إلى مراعاة مشاعر الآخرين ونفسياتهم .. فقال : لا تطيلوا النظر إلى المجذوم () .. والمجذوم هو المصاب بمرض ظاهر في جلده قد جعله مشوهاً في منظره .. فمن غير المناسب أنه إذا مر بقوم أن يطيلوا النظر إلى جلده .. لأن هذا يذكره بمصيبته فيحزن ..
وفي موقف غاية في المراعاة واللطف يتعامل صلى الله عليه وسلم مع والد أبي بكر رضي الله عنهم ..
فإنه صلى الله عليه وسلم لما أقبل بجيوش المسلمين إلى مكة لفتحها ..
قال أبو قحافة أبو أبي بكر رضي الله عنهم .. وكان شيخاً كبيراً .. أعمى .. قال لابنة له من أصغر ولده :
أي بنية .. اظهري بي على جبل أبي قبيس لأنظر صدق ما يقولون .. هل جاء محمد ؟..
فأشرفت به ابنته فوق الجبل .. فقال : أي بنية ماذا ترين ؟
قالت : أرى سواداً مجتمعاً مقبلاً ..
قال : تلك الخيل ..
قالت : وأرى رجلاً يسعى بين يدي ذلك السواد مقبلاً ومدبراً ..
قال : أي بنية ذلك الوازع الذي يأمر الخيل ويتقدم إليها ..
ثم قالت : قد والله يا أبتِ انتشر السواد ..
فقال : قد والله إذاً دفعت الخيل ووصلت مكة .. فأسرعي بي إلى بيتي .. فإنهم يقولون من دخل داره فهو آمن ..
فانحطت الفتاة به مسرعة من الجبل ..
فتلقته خيل المسلمين .. قبل أن يصل إلى بيته ..
فأقبل أبو بكر إليه ..
فاحتفى به مرحباً ..
ثم أخذ بيده يقوده .. حتى أتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد ..
فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم .. فإذا شيخ كبير .. قد ضعف جسمه .. ورق عظمه .. واقتربت منيته ..
وإذا أبو بكر رضي الله عنه .. ينظر إلى أبيه .. وقد فارقه منذ سنين .. وانشغل عنه بخدمة هذا الدين ..
التفت إلى أبي بكر رضي الله عنه فقال مطيباً لنفسه .. ومبيناً قدره الرفيع عنده :
هلا تركت الشيخ في بيته حتى أكون أنا آتيه فيه ؟!
كان أبو بكر يعلم أنهم في حرب .. قائدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم .. وأن وقته أضيق .. وأشعاله أكثر من أن يتفرغ للذهاب لبيت شيخ يدعوه للإسلام ..
فقال أبو بكر شاكراً: يا رسول الله .. هو أحق أن يمشي إليك .. من أن تمشي أنت إليه ..
فأجلس النبي عليه الصلاة والسلام .. أبا قحافة بين يديه .. بكل لطف وحنان ..
ثم مسح على صدره ..
ثم قال : أسلم ..
فأشرق وجه أبي قحافة .. وقال : أشهد أن لا إله إلا الله .. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ..
انتفض أبو بكر منتشياً مسروراً .. لم تسعه الدنيا فرحاً ..
تأمل النبي صلى الله عليه وسلم في وجه الشيخ .. فإذا الشيب يكسوه بياضاً .. فقال صلى الله عليه وسلم : غيروا هذا من شعره .. ولا تقربوه سواداً ..
نعم كان يراعي النفسيات في تعامله ..
بل إنه صلى الله عليه وسلم لما دخل مكة قسم جيشه إلى كتائب .. وأعطى راية إحدى الكتائب .. إلى الصحابي البطل سعد بن عبادة رضي الله عنه ..
كانت الراية مفخرة لمن يحملها .. ليس له فقط بل له ولقومه ..
جعل سعد ينظر إلى مكة وسكانها .. فإذا هم الذين حاربوا رسول الله صلى الله عليه وسلم .. وضيقوا عليه .. وصدوا عنه الناس ..
وإذا هم الذين قتلوا سمية وياسر .. وعذبوا بلالاًُ وخباباً ..
كانوا يستحقون التأديب فعلاً ..
هز سعد الرايية .. وهو يقول : اليوم يوم الملحمة ** اليوم تستحل الحرمة ..
سمعته قريش فشق ذلك عليهم .. وكبر في أنفسهم .. وخافوا أن يفنيهم بقتالهم ..
فعارضت امرأة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يسير .. فشكت إليه خوفهم من سعد .. وقالت :
يا نبي الهدى إليك لجائيُّ قريش ولات حين لجاء
حين ضاقت عليهم سعة الأرض وعاداهم إله السماء
إن سعداً يريد قاسمة الظهـر بأهل الحجون و البطحاء
خزرجي لو يستطيع من الغيـظ رمانا بالنسر والعواء
فانهينه إنه الأسد الأسـود والليث والغٌ في الدماء
فلئن أقحم اللواء ونادى يا حماة اللواء أهل اللواء
لتكونن بالبطاح قريش بقعةَ القاع في أكف الإماء
إنه مصلت يريد لها القتل صموت كالحية الصماء
فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم .. هذا الشعر .. دخله رحمة ورأفة بهم ..
وأحب ألا يخيبها إذ رغبت إليه ..
وأحب ألا يغضب سعداً بأخذ الراية منه بعد أن شرفه بها ..
فأمر سعداً فناول الراية لابنه قيس بن سعد .. فدخل بها مكة.. وأبوه سعد يمشي بجانبه ..
فرضيت المرأة وقريش لما رأت يد سعد خالية من الراية ..
ولم يغضب سعد لأنه بقي قائداً لكنه أريح من عناء حمل الراية وحملها عنه ابنه ..
فما أجمل أن نصيد عدة عصافير بحجر واحد ..
حاول أن لا تفقد أحداً .. كن ناجحاً واكسب الجميع .. وإن تعارضت مطالبهم ..
اتفاق ..
نحن نتعامل مع القلوب .. لا مع الأبدان ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق